الاستيطان في غزة: هل يستعجل الكيان تحقيق رؤية المقاومة لشرق أوسط لا مكان لـ "إسرائيل" فيه؟
الحديث عن إقامة مستعمرات في غزة كلامٌ تخالفه حقيقة الميدان ومعطيات الجغرافيا ومنطق التاريخ، غير أن الحديث عن قرب استعادة الأراضي المغتصَبة نراه حقاً مشروعاً لا اختلاف فيه.
على وقع صفارات الإنذار، والهروب مراراً وتكراراً يومياً إلى الملاجئ من أجل الاحتماء فيها من صواريخ المقاومة، يعيش الصهاينة هذه الأيام في مواجهة أثبتت أن لا أحد في فلسطين المحتلة في مأمن، وأن المقاومة قادرة على ضرب أيّ هدف في أيّ وقت، من دون أن تعترضها أيّ قبّة "من ورق"، مثلها مثل الكيان الذي تفاخر في إحداثها؛ كيان من ورق مآله لا محالة أن يحترق.
وسط هذه الأجواء، التي لم يسبق أن عرفها العدو الصهيوني، يعلن عشرة نوّاب من حزب الليكود، الذي يتزعّمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من أصل 32 نائباً، أنهم سيشاركون الأسبوع المقبل في مؤتمر تحت عنوان "الاستعداد لإعادة الاستيطان في غزة"، معلنين، في إطار سياسة إحراق المراحل، ملصقاً إعلانياً يحمل عنوان "غزة لنا إلى الأبد".
العدوّ، الذي لم يُخفِ منذ بدء طوفان الأقصى، أن عدوانه المستمر على غزة يهدف إلى القضاء على البشر والحجر فيها، وتهجير أهلها، وإقامة مستعمرات للمستوطنين، يدرك جيداً أنه لم يحقّق أياً من أهدافه على الأرض، على رغم جرائم الإبادة وجرائم الحرب التي يرتكبها، فحلم الاستيلاء على غزة ما زال بعيد المنال، في ظلّ جبهة لبنانية مشتعلة، ترفض فكّ الارتباط عن غزة، على رغم حجم التهديدات والضغوط الموجّهة إليها، وجسامة الخسائر التي تقدّمها، وأيضاً في ظل وجود جبهات إسناد في اليمن والعراق وسوريا وإيران، قادرة على إيلام الاحتلال من حيث يحتسب، ومن حيث لا يحتسب.
سواءٌ ابتدع نوّاب الليكود هذا المؤتمر لتخفيف الضغط الداخلي عن نتنياهو عبر الحديث عن نصر مزعوم، أو لإدارة الحرب الإعلامية ضد محور المقاومة، فالإعلان جاء ليكشف أن جرائم الكيان لم تكن من باب الدفاع عن النفس، كما يدّعي، وإنما في إطار حرب مدمّرة لتفجير خرائط المنطقة، وإعادة رسمها على نحو يخدم حلم "إسرائيل الكبرى".
ولعلّ كلمة نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الأخيرة، اختزلت المشهد، وقدّمت أفضل إجابة عن المشروع الأميركي الصهيوني، بحيث حذّر من أن مشروع الشرق الأوسط الجديد التوسّعي، والذي تحلم الولايات المتحدة و"إسرائيل" بتركيزه في المنطقة، يشمل القضاء على المحيط الإسلامي، مؤكداً أن إسقاط هذا المشروع، والدفاعَ عن الدولة اللبنانية وعن عدالة القضية الفلسطينية، لا يكونان إلا بمزيد من المقاومة ومزيد من التضحيات، من أجل تحقيق رؤية المقاومة لمشروع "شرق أوسط جديد" لا مكان فيه لـ "إسرائيل" .
هي حرب وجود بكلّ ما للكلمة من معنى، مهما تباينت التسميات بشأنها في المحافل الدولية والمنصات الإعلامية، التي تراعي في طرحها حسابات العدو ومصالحه؛ حرب لن يستبسل فيها من جاء من الشتات، كمن يتمسّك بتراب بلاده وعدالة قضيته إلى آخر رمق في الحياة .
وعليه، فالحديث عن إقامة مستعمرات في غزة كلام تخالفه حقيقة الميدان ومعطيات الجغرافيا ومنطق التاريخ، غير أن الحديث عن قرب استعادة الأراضي المغتصبة نراه حقاً مشروعاً لا اختلاف فيه، ولا تراجع عن تحقيقه، مهما عطّرت دماء الشهداء تراب المعركة، ومهما ارتفع سقف التضحيات.