اغتيال محمد رضا زاهدي.. الرد سيكون لبنانياً؟
أغلب قيادات إيران أكدت الرد، لكن لا يتحدث أحد منهم عن كيفيته، بل اكتتفوا حالياً بالقول إنه سيكون غير متوقع ومؤذٍ بحجم وتأثير الاغتيال.
لا شك في أن استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي أدى إلى استشهاد القائد في حرس الثورة الإيراني محمد رضا زاهدي ورفاق له وعدد من المدنيين، يعدّ أخطر تمادٍ في سياق السجال بين "إسرائيل" وإيران، لأنه يعدّ استهدافاً لأراضٍ إيرانية بحسب الأعراف الدولية والدبلوماسية، فضلاً عن أهمية المُستهدَف الجنرال زاهدي.
المحور وسرديات التضليل
من المعلوم أن اغتيال الجنرال زاهدي على يد "إسرائيل" ليس الأول، فمنذ بداية معركة طوفان الأقصى فجر السابع من أكتوبر اغتال العدو عدداً من قادة عسكريين ومستشارين مهمين، أمثال الحاج رضا موسوي وغيره.
كثر الحديث عن الرد الإيراني وكيفيته، طبعاً من دون أن يخفى على أحد أن جيوشاً إعلامية (إلكترونية وفضائيات وصحف وإذاعات) تسوق لسرديات الرد بما يخدم السياق العام المراد تكريسه كواقع تشويهي. أهم تلك الأفخاخ – السرديات أن الرد سيكون عبر "أذرع إيران"، وبالتالي تكريس حركات وأحزاب المقاومة كميليشيات إيرانية تعمل بأمرٍ إيراني.
هذا التركيز يؤدي إلى نفي فكرة "المحور" كمصطلح جامع لهذه الحركات التي تتمتع بطبيعة الحال بخصوصية ذات طابع خاص بساحات وجودها وتقديراتها للمواقف الملائمة وظروف الجغرافيا وقدرة كل فصيل أو مكون مقاوم على التحرك لأسباب عديدة تعود بالخاصية إلى كل فصيل أو حزب كل على حدة.
هذا بطبيعة الحال لا يسقط أهمية التنسيق العالي بين الدول والحركات والتنظيمات من دون إخفاء الدعم المباشر وغير المباشر للهدف الاستراتيجي للمحور بشكل عام من قبل إيران وسوريا.
الرد المضلل والسردية الوظيفية
أغلب الأدوار الوظيفية المرصودة تشدد تحديداً على أن آلية الرد وكيفيته ستكون عبر جبهة لبنان، لتكريس سردية أن حزب الله يأتمر بالمباشر من إيران دون أي هامش، ولإسقاط الاستقلالية عنه والوطنية كناتج طبيعي، فمنذ أن دخل حزب الله الحرب "كجبهة إسناد" والأبواق تركز على عدم وجود أمر إيراني بالحرب المفتوحة على جبهة شمال فلسطين المحتلة.
هذا التدليس ليس ببريء البتة، ويأتي ضمن أجندة موجهة، لأنه يضرب حجم المواجهة وفعاليتها على جبهة لبنان من جهة، ويُظهِر حماس والمقاومة الفلسطينية وحيدين، إن لم يكن ذلك عند القيادات الفلسطينية العالمة بطبيعة الأمور، فذلك يكون عند الرأي العام العربي والإسلامي.
للتذكير، عند عملية "كرمان" الإرهابية واغتيال الحاج رضا موسوي، إيران ردت وأعلنت ذلك صراحة عند استهدافها قاعدة أربيل التجسسية واستهداف قيادات لتنظيمات إرهابية في إدلب لهم علاقة باستهداف كرمان، ولم تستخدم "أذرعها"، بحسب الرواية الصهيونية المدعمة بألسن عربية.
اليوم وبالأمس وفي الغد، ليس الحديث عن الرد هو الآخذ للعناوين فحسب، لا عند الإعلام العبري ولا عند بعض القنوات الناطقة بالعربية، بل عن احتمالاته وعلى يد من، إذ نلاحظ تكثيف توجيه أصابع الرد إلى المقاومة اللبنانية، وذلك عبر فتح جبهة الجنوب مع شمال فلسطين المحتلة على مصراعيها! حتى إنهم ولتعزيز سرديتهم قالوا إن الشهيد زاهدي عضو في مجلس شورى حزب الله! في هذا السياق، التركيز على أمرين مهمين:
أولاً: ضرب لسرديتهم التدليسية المؤسسة لشيطنة المحور وحزب الله تحديداً للاعتبارات آنفة الذكر، التي كان مفادها "أن إيران تنأى بنفسها عن حرب غزة.
لذلك حزب الله يُشاغل إسرائيل فقط، ولا تريد منه إيران أكثر من ذلك"، فما الذي طرأ لتغيير الاستراتيجية الإيرانية؟ وهل اغتيال محمد رضا زاهدي، على أهمية دوره، كان كفيلاً بتغيير جذري كهذا قد يفتح الأمور على قواعد غير المعمول بها في قفزة بالهواء نتيجة رد فعل انفعالي! أظن في الأمر سذاجة لا يبادر إليها سياسي صف أول.
ثانياً: حزب الله عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله وضع بندين أساسياً لفتح جبهة الجنوب مع شمال فلسطين المحتلة هما:
أ- تطور الوضع الميداني في غزة والتشديد على فوز حماس تحديداً.
ب- ارتكاب العدو حماقة باتجاه لبنان، بالتالي خرق غير محتمل لقواعد الاشتباك.
ولا أظن أن هناك تغييراً في الأمرين.
الرد الإيراني
أغلب قيادات إيران أكدت الرد، لكن لا يتحدث أحد منهم عن كيفيته، بل اكتتفوا حالياً بالقول إنه سيكون غير متوقع ومؤذٍ بحجم وتأثير الاغتيال، مع بعض الإيحاءات الإعلانية عن صور تظهر قادة الكيان المحتل من سياسيين وأمنيين وعسكريين بمظهر المستهدفين.
وليس في الاعتقاد أنَّ إيران ستوكل هذه المهمة لأحد، كما يروجون بخبث، بل سيكون الرد إيرانياً صرفاً، وليس رداً قبلياً أو ثأرياً، بل سيكون استراتيجياً بشقيه؛ إثبات أن يد "إسرائيل" ليست الطولى، وأن إيران هي صاحبة الحق والتقدير حول فاعلية الرد.