اتفاقيات التطبيع: قراءة بعد سنتين من التوقيع
تعتبر فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب الفترة الذهبية بالنسبة إلى الكيان الصهيوني، في ظلّ ما قدمته من دعم غير مسبوق وما شهدته العلاقة الوطيدة جداً برئيس الوزراء الصهيوني السابق نتنياهو.
قام الكيان الصهيوني منذ نشأته على تفوقه في المجالات كلها، وخصوصاً عسكرياً، مقارنة بالدول المحيطة به، في مقابل وجود راعٍ دولي لاستمراريته. منذ بدء عهد الحروب بين الدول العربية والكيان الصهيوني، جهدت "إسرائيل" ونجحت في تفكيك قدرة الجيوش النظامية على القتال، وعملت أيضاً على إبطال العلاقات بين الجيوش المصرية والسورية والعراقية، مروراً بحربي الخليج الأولى والثانية واتفاقيات التطبيع: "كامب دايفيد"، و"وادي عربة"، و"أوسلو"، وصولاً إلى اتفاقيات التطبيع الأخيرة.
تعتبر فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب الفترة الذهبية بالنسبة إلى الكيان الصهيوني، في ظلّ ما قدمته من دعم غير مسبوق وما شهدته العلاقة الوطيدة جداً برئيس الوزراء الصهيوني السابق نتنياهو. ولم يكن الدعم الأميركي محصوراً بتقديم الأسلحة، بل بالموقف من الخطر النووي الإيراني وتوقيع اتفاقيات التطبيع.
منذ انتصار لبنان واندحار العدو الإسرائيلي عن أراضيه عام 2000، مروراً بالانسحاب الأميركي من العراق، وهزيمة "إسرائيل" في حرب تموز 2006، وفشل الحرب الكونية على سوريا والمشروع الأميركي في المنطقة من بوابة التكفيريين، والتخوف من الوضع الذي رافق ما يسمى بثورات الربيع العربي"، وخصوصاً على أمن "إسرائيل"، من التموضع الإيراني قرب الجولان ووصول سلاح كاسر للتوازن إلى حزب الله، بعدما كان الرهان على سقوط سوريا وانهيارها.
كل ذلك دفع العدو الصهيوني إلى توقيع اتفاقيات تطبيع مع بعض الدول العربية، والتي تتعدد أهدافها. الهدف الأول هو مواجهة التهديد الإيراني بشراكة إسرائيلية عربية، وما يطلق عليه وجود الكيان الصهيوني في بيئة متغيرة، من حيث تعاظم قدرات محور المقاومة وما أصبح راسخاً في عقل القادة الصهاينة بأن هذا المحور يشكل تهديداً وجودياً ويسعى لإزالته من الوجود.
وبدأت تطرح الأسئلة على لسان القادة السياسيين والعسكريين عن تهديد الوجود والبقاء. ومن هذه التصريحات، تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك عن لعنة العقد الثامن، وأيضاً تحدٍّ آخر هو تراجع مكانة الولايات المتحدة الأميركية، ما يؤثر في إدارة اتفاقيات التطبيع واستمراريتها ومدى تحقيق أهدافها بعد سنتين على توقيعها.
في مقال له في معهد "الخليج" في واشنطن، قال الباحث الصهيوني أودي إيفنتال في تعقيبه على اتفاقيات التطبيع: "هناك إدراك متزايد في إسرائيل بأنهم لم يغيروا بعد قواعد اللعبة على المستوى الاستراتيجي في المنطقة، وهناك جانب آخر لم تلبِّ فيه اتفاقيات التطبيع، كما يبدو، توقعات إسرائيل، وهو إنشاء جبهة موحدة ضد التهديد الإيراني".
ثمة إقرار إسرائيلي بفشل عمليات التطبيع في تحقيق هدفها الأول بتشكيل تحالف عربي إسرائيلي لمواجهة التهديد الإيراني، وخصوصاً بعد تولي الرئيس بايدن سدة الرئاسة الأميركية، والتوترات التي شهدتها العلاقة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، إذ يشير الكاتب عوديد غرانوت، محرر الشؤون العبرية في صحيفة" إسرائيل هيوم"، إلى أن "الأوساط الإسرائيلية بالغت في حديثها عن مبادرة بايدن الخاصة بتأسيس الحلف الشرق أوسطي، لأنَّ هناك مجموعة تحديات تمنع تحقق هذا المسعى، أهمها الانشغال الأميركي بمطالبة السعوديين بتخفيف الارتفاع المذهل في أسعار النفط عن طريق زيادة الإنتاج، في مقابل ضم المملكة إلى دول عربية قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل".
ويضيف الكاتب أيضاً أن "التطلّع الإسرائيلي إلى إقامة نوع من التحالف الدفاعي بين الدول العربية وإسرائيل، بهدف إنتاج رد إقليمي على التهديد الإيراني، يأتي لزيادة التدخل الأميركي النشط في الشرق الأوسط، لكن مثل هذا الحلف لم يتحقق".
العميد يوسي كوبرفاسر، الرئيس السابق لقسم الأبحاث في شعبة جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، يقول في دراسة له في معهد القدس للسياسات: "إذا تأخّرت التغييرات من خلال عمليات السلام أو لم تتحقق على الإطلاق بسبب العقبات التي يواجهها بايدن، فستزيد فرصة استفادة الآخرين الذين يتحدّون الترتيب الحالي وموقف الولايات المتحدة، ومحاولتهم تعزيز الترتيب الَّذي يريدونه، ما يؤدي إلى تفاقم المخاطر على إسرائيل".
ووفق استطلاع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في شهر آذار/مارس الفائت، تظهر النتائج أنَّه في الإمارات العربية المتحدة، أعرب 25% فقط عن دعمهم التطبيع، مقارنة بـ71% رأوه سلبياً أو سلبياً للغاية.
أما في البحرين، فأظهرت الأرقام أن 20% مؤيد للتطبيع، و76% ضده. وتتراجع أيضاً نسبة السعوديين المهتمين بالتطبيع مع الإسرائيليين، فيظهر الاستطلاع أن المؤيدين 19% فقط، في مقابل 75% من المعارضين.