إيران و"إسرائيل".. بين الردّ والردع..
طهران منحت الدول الوسيطة فسحة من الوقت تجاوزت العشرة أيام لتنفيذ مطالبها، ولكن كانت هناك محاولات أميركية وإسرائيلية لتمييع الردّ الإيراني والتسويف والكذب في مفاصل عديدة.
انتهت أوّل جولة مباشرة بين إيران وكيان الاحتلال، مواجهة كان العنوان الأبرز فيها الضرب المباشر وليس عبر وسيط أو في أرض طرف ثالث.. الأوّل من نيسان/أبريل كان فصلاً جديداً من فصول الخرق الإسرائيلي للقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، فبعد جرائم الحرب كلّها التي ارتكبتها "إسرائيل" في قطاع غزة، وجّهت ضربة مباشرة للقنصلية الإيرانية في دمشق ضاربة بعرض الحائط القوانين الدولية كلّها.
وهذا ليس مستغرباً عن كيان وجوده في الأساس ليس بقانوني، الهجوم على القنصلية الإيرانية فتح فصل التصعيد في المنطقة على الرغم من المحاولات الإقليمية كلها وجهود طهران في كبحه وعدم الانجرار وراء بنيامين نتنياهو، الذي يعلم أن أي شيء غير التصعيد يعني نهايته السياسية.
القيادة الإيرانية منذ لحظة الهجوم الأولى على قنصليتها أعلنت أنها ستردّ على "إسرائيل" ولن تقف مكتوفة الأيدي. وأنّ ردّها سيكون على "إسرائيل" تحديداً وليس على مصالحها في المنطقة، ووصل عدد من العروض لعدم الرد مقابل مكاسب في المنطقة، لكن إيران رفضت ذلك رفضاً مباشراً وطلبت انسحاب "الجيش" الإسرائيلي بالكامل من القطاع، وتنفيذ مطالب حركة حماس جميعها وبعدها سيجرى الحديث عن الردّ أو تخفيض مستواه.
طهران منحت الدول الوسيطة فسحة من الوقت تجاوزت العشرة أيام لتنفيذ مطالبها، ولكن كانت هناك محاولات أميركية وإسرائيلية لتمييع الردّ الإيراني والتسويف والكذب في مفاصل عديدة.
وفي الثاني عشر من نيسان/أبريل كانت إيران ستقصف "إسرائيل"، ولكن فرنسا وألمانيا وتركيا تدخّلت إضافة إلى ثلاث دول عربية لمنع إيران من الردّ ومنحها فرصة للوساطة، وبعد مرور 48 ساعة وفشلها في ذلك نُفّذت الضربة الإيرانية التي كانت هجوماً بمئات الطائرات المسيّرة وعشرات الصواريخ البالستية.
وقبل القصف بساعات أبلغت إيران الدول المحيطة بـ "إسرائيل" أنها ستقصف في هذا اليوم، وطلبت منها إيقاف حركة الطيران الجوي حفاظاً على الطيران المدني، وهذا أمر طبيعي لحماية الأجواء والرحلات المدنية من الطيران المسيّر أو الصواريخ، وهذا ما يسقط تهمة إبلاغ إيران "إسرائيل" لأنه في الحروب الحديثة من الطبيعي أن تعلم "إسرائيل" بخروج الصواريخ الموجّهة نحوها بوساطة الأقمار الصناعية، ولو لم تُبلَّغ هذه الدول بالضربة لرأينا كارثة بحقّ المدنيين، وإيران بخلاف ''إسرائيل" فالأخيرة اختبأت طائراتها خلف طائرة روسية عندما ضربت سوريا قبل عدة سنوات وراح ضحيتها عشرات الروس.
وبالتالي إيران رفضت مثل هذا الأمر وأبلغت بوقف الطيران المدني من أجل تجنّب مثل هذه الكارثة، وقالت لـ "إسرائيل" علناً هذه طائراتنا وصواريخنا موجّهة إليكم فتصدّوا لها إن استطعتم. وهنا علينا أن نعلم أنّ ما حدث هو ضربة ردّ وليس ردعاً، والفرق كبير بين الاثنين، فالردّ يكون لتوجيه رسالة بأنك قادر على الردّ وتنتقي أهدافك بعناية، والثاني يكون لكسر الذي أمامك ومنعه من المواجهة.
الضربة الإيرانية التي استهدفت "إسرائيل" كانت ردّاً؛ إذ استهدفت قاعدتين عسكريتين إحداهما تبعد بضعة كيلومترات عن مفاعل ديمونة، والأضرار فيها أو في غيرها كانت كبيرة بحسب صحيفة "هآرتس" التي قالت إن "إسرائيل" استطاعت التصدّي فقط لـ84 في المئة من الضربة الإيرانية، بخلاف كلام "جيش" العدو الذي قال إنه تصدّى لـ99 في المئة. وبحسب الصحيفة فإن النسبة سترتفع إلى 50 في المئة إذا تمّ تحليل صور أكثر دقة صوّرتها الأقمار الصناعية. وفي النهاية إيران ردّت على قصف قنصليتها وردّها كان مؤلماً ولم تساوم عليه لمصالح شخصية.
الردّ الإيراني فتح الباب أمام عدد من الدول الإقليمية وفي مقدّمتها تركيا لتأدية دور رجل الإطفاء في المنطقة من منطلقات عديدة، أوّلها محاولة إثبات وجود لها في قمة الزعامة في المنطقة، وهذه ستكون لها تأثيرات كبيرة في وضعها الداخلي وحتى الدولي، وتخلق لها أوراق ضغط قوية في المفاوضات الدولية. ثانياً اندلاع حرب كبيرة بين إيران و"إسرائيل" سيخلق أزمة اقتصادية لتركيا، خصوصاً وأنها تتمتع ببراغماتية اقتصادية ولديها علاقات تجارية مع كلا الجانبين، والمواجهة بينهما الآن غير مفيدة لأنقرة أبداً. ثالثاً مثل هذا الدور سيخلق ارتياحاً كبيراً لدى الناخب التركي ليشعر أن قيادته لديها صوت مسموع في المنطقة.
وبالنسبة للدول العربية وتحديداً السعودية أن تعي أهمية دورها وأن تستلم هي دفة قيادة التوازنات في المنطقة والوساطات، فهي الدولة العربية الأكبر والأكثر استقراراً وثباتاً وقوة وتتمتع بسياسة خارجية مرنة يقبلها الجميع، وألّا تسمح الرياض لأحد أن يسحب هذا الكرسي منها.
بعد الردّ الإيراني خرجت "إسرائيل" لتقول إنها ستقصف إيران، وهذا دفع طهران لتؤكد أنّ أيّ عدوان عليها يعني الرد المباشر على "إسرائيل"، وأنّ أيّ عدوان على برنامجها النووي سيؤدي إلى إعادتها النظر في عقيدتها وسياساتها النووية، وإيران لديها فتوى شرعية من المرشد علي الخامنئي الذي حرّم امتلاك السلاح النووي، ولكن التهديد يمكن أن نفهمه ضمن عدة إطارات، أبرزها أن طهران مستعدة لرفع مستوى التخصيب إلى 90 في المئة، أي يمكن لإيران في أي لحظة امتلاك هذا السلاح إذا هُدِّدت به أو كانت حياة شعبها على المحك.
"إسرائيل" كانت مصرّة على الردّ فكيف كان ردّها؟
1-كان بوساطة مسيّرات صغيرة جداً ولم تكن هناك صواريخ أو مشاركة مقاتلات داخل الأراضي الإيرانية، وهذه أثبتتها الوقائع والصواريخ التي سقطت في العراق ولم تدخل إلى إيران.
2-لم تتعرّض أيّ منشأة نووية إيرانية لأيّ أضرار.
3-لم تتعرّض أيّ مقارّ عسكرية للاعتداء.
4-لم تتعطّل أيّ من مرافق الحياة العامة، وتعليق حركة الملاحة الجوية كان من أجل سلامة الطيران المدني وحفاظاً على أرواح المدنيين.
5-انتقادات حادة داخل الكيان الإسرائيلي طالت عمل الاحتلال الخجول مقابل ما نفّذته إيران قبل أسبوع.
6- يمكن عدّ ما فعله الكيان حفاظاً على ماء الوجه في الداخل، لأنّ العملية لم تحقّق أيّ إنجاز عسكري.
7- تركيز وسائل إعلام غربية وعبرية على العملية من دون تحقيق نتائج، يظهر أن الهدف هو التضخيم الإعلامي والفقاعة الإعلامية لإرضاء من كان يطالب بالردّ على إيران ليس أكثر.
المواجهة في مرحلتها الحالية انتهت ولكن لا يستطيع أحد ضمان عدم تصعيدها أكثر في المرحلة المقبلة، خصوصاً وأن نتنياهو ما زال يحاول إشعال الأزمات ليبقى في الحكم ولا يحاكم في المرحلة المقبلة.