إيران: الثورة المتجددة

تدخل إيران مرحلة جديدة من ثورتها، أكثر إشراقًا وصلابة. ثورة ازدادت عمقًا اجتماعيًا، وتجذّرت في ضمير أجيال جديدة نشأت على قيم الصمود والتحدي والعزة.

  • الاحتفالات في إيران أمس (أ ف ب).
    الاحتفالات في إيران أمس (أ ف ب).

في عالم تموج فيه الأحداث وتتهاوى فيه الثوابت، تبقى الثورة الإسلامية في إيران نموذجًا استثنائيًا لثورة استطاعت أن تصمد وتتجدد، رغم كل محاولات العزل والحصار والتآمر. خمسة وأربعون عامًا من الحصار السياسي والاقتصادي، لم تُضعف الدولة الإيرانية، بل جعلتها أكثر صلابة، وأكثر تصميمًا على امتلاك أدوات القوة في مختلف المجالات: من الاكتفاء الذاتي الغذائي والدوائي، إلى التقدم التكنولوجي والعلمي المذهل.

لم تكن إيران مجرد دولة صامدة، بل تحولت إلى واحدة من أكثر بلدان المنطقة تطورًا في مجالات الطب، والهندسة، والفضاء، والتقنيات الحديثة، في وقت أرادت فيه قوى الهيمنة أن تُبقيها محاصرة، خاضعة، تدور في فلك التبعية. لكنها، بفضل إرادة شعبها ووعي قيادتها، اختارت أن تسلك طريقًا مختلفًا: طريق السيادة والاعتماد على الذات، والتمسك بالحق، والدفاع عن قضايا العدالة.

ولم يكن لهذا المشروع الثوري أن يرى النور لولا القيادة الاستثنائية للإمام روح الله الموسوي الخميني (قده)، الذي أعاد بعقله الجبّار وإيمانه العميق تعريف معنى الثورة والقيادة في العصر الحديث. كان الإمام الخميني أكثر من مجرد قائد سياسي؛ كان مُلهِم أمة، ومؤسس مدرسة قائمة على ثلاثية لا تنفصم: الحرية، والاستقلال، ونصرة المستضعفين. فوضع منذ اللحظة الأولى أسس الدولة التي لا تركع، وربط هوية الثورة الإسلامية بالدفاع عن قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، التي اعتبرها "قضية المسلمين والاحرار الاولى"، وراية الشرف لكل من ينتمي إلى الضمير الانساني الحي.

لقد أُغريت إيران على مدى عقود بالتخلي عن مواقفها المبدئية، وقُدّمت لها عروض مغرية مقابل أن تغيّر وجهتها السياسية، وتتنازل عن دعمها لخيارات الشعوب الحرة وقوى المقاومة لا سيما في فلسطين ولبنان. لكنها رفضت. لم تساوم على كرامتها، ولم تتنازل عن دورها في نصرة قضايا المستضعفين، فدفعت الأثمان، وتحمّلت الضغوط، لكنها خرجت أصلب وأقوى.

خلال هذه الحرب العدوانية الأميركية الاسرائيلية التي استهدفتها عسكريًا وإعلاميًا واقتصاديًا أثبت الشعب الإيراني مرة جديدة أنه العمق الاستراتيجي لثورته. فقد وحّدته التهديدات الخارجية، وأعاد التأكيد على تمسكه بثورته التي لم تتوقف عن التجدد، فأصبحت الثورة الإسلامية ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل حالة حية نابضة، تُعيد إنتاج نفسها في كل أزمة، وتثبت أنها ثورة شعب لا يُهزم، وقضية لا تُطوى.

لقد منحت هذه المحنة إيران فرصة جديدة لتأكيد حضورها كقوة إقليمية عظمى لا يمكن تجاوزها أو تهميشها، سقطت رهانات الأعداء، وتكسّر المشروع الأمريكي-الإسرائيلي الذي استهدف تفكيك الداخل الإيراني، فإذا بالشعب يلتف حول قيادته، ويُجدد الولاء لخياراته الاستقلالية، ويحول العدوان إلى فرصة ومحطة انبعاث وطني جديد.

اليوم، تدخل إيران مرحلة جديدة من ثورتها، أكثر إشراقًا وصلابة. ثورة ازدادت عمقًا اجتماعيًا، وتجذّرت في ضمير أجيال جديدة نشأت على قيم الصمود والتحدي والعزة، وفي زمن الهشاشة السياسية والانهيارات الكبرى، تثبت إيران أن الشعوب حين تتمسك بحقها وتثق بذاتها، يمكنها أن تصنع المعجزات.

إنها الثورة المتجددة ثورة لا تنطفئ جذوتها، لأنها ببساطة ثورة شعب لا  يساوم وبالتالي لا يُهزم.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.