أيها الغرب أنت تُبيد مسيحيي سوريا
نَتَشتّت في بلاد العالم. تتمزق عائلاتنا، ويتفرّق الإخوة، ونَضمحلّ.
نعم، إنّكم تُبيدونَنا.
تُقدمون لنا العسل من خلال ادِّعائكم الخوف علينا، وتَظهر الجمعيات التي تهتم بمسيحيي سوريا، وتحمل الغوث للمسيحيين؛ للمسيحيين الذين هم في خطر، للكنائس المتألمة وغيرها الكثير، لكي نقتنع بأننا فعلاً بخطر، ويجب أن نرحل.
نحن المسيحيين، نُهاجر بتسهيلاتِكم - البريئة ظاهراً - التي تقدِّمونها لنا في سفاراتكم. نقدِم أوراق الهجرة المطلوبة، ومعها شهادة المعمودية المسيحية.
هل ستوزِّع سفاراتِكم لمن يحمل شهادة المعمودية البسكويت والغاتو والحلوى والبوظة؟
نَتَشتّت في بلاد العالم. تتمزق عائلاتنا، ويتفرّق الإخوة، ونَضمحلّ. تقتلعون جذورنا. تُيبِّسون عروقنا. تنشرون أغصاننا؛ ففي كل بلد، أخ، أو عم، أو خال.
التاريخ يُذكّرنا بأنَّ أميركا وأوروبا لهما أجندة لنقل المسيحيين العرب إلى أراضيهما، لسهولة اندماجهم مع المجتمعات الجديدة، ولأنهم لا ينتمون إلى الإرهاب الذي أعطوه صفة دينية هي الإسلام، كما يقولون.
لن ننسى ما نُقل على لسان الموفد الأميركي دين براون بأن الأسطول الأميركي جاهز لنقل المسيحيين من لبنان، وهي فكرة وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر.
ولا ننسى أن الرئيس جيرالد فورد سأل في أحد اجتماعات مجلس الأمن القومي الأميركي: "هل المسيحيون عرب؟"، وقال السفير الأميركي في لبنان جون غونتر دين: "منذ الآن، يشكّل مسيحيو لبنان جزءاً من الاستراتيجية الأميركية في المنطقة".
قد يكون المسيحيون في الأصل من بيئاتٍ غير عربية، ولكنَّ اللغة العربية أصبحت شيئاً فشيئاً اللغة الأم لجميع المسيحيين في سوريا، وإن ظلّت السريانية، وبمستوى أقل اليونانية، لغة الطقوس الدينية، إلّا أن مِن الطوائف المسيحية مَن عَمد منذ القرن العاشر إلى نقل لغة هذه الطقوس الدينية إلى العربية، مع الاحتفاظ جزئياً باليونانية والسريانية في بعض المناطق.
يُحزِنني أن أرى بعض المهاجرين يفتخرون بصورِهم مع شهادات نيلهم الجنسيات الأخرى. وعندما يُكلمونني، يُدخِلون في كلامهم الكثير من الكلمات الأجنبية، ويعتذرون أنهم أصبحوا لا يستطيعون التعبير باللغة العربية.
هنا، أنا الحلبي السوري المسيحي، أذكّر إخوتنا الأرمن في حلب الذين لا يتكلمون بين بعضهم بعضاً في حلب أو في كل أنحاء العالم إلا بلغتهم، والذين كنا نَصِفهم في حلب بالعنصرية:
ألا ليتنا كنّا عنصريين بلغتنا وتراثنا. ربح الغرب عملية تهجير المسيحيين السوريين واللبنانيين والعراقيين.
ربحوا ما خطّطوا له طويلاً، وسيأتي يوم يرسلون فيه سفراءهم إلينا وهم من أصول هذه البلاد، ولا ننسى أنهم فعلوا ذلك في أفغانستان سابقاً، ولبنان اليوم.
سيأتي الجيل الثالث من المهاجرين؛ الجيل الذي لا يعرف لغته ومكان ولادة الجدود، وينسى أنه حفيد الكثيرين من أبطال التاريخ العربي، من التغالبة إلى أبي تمام، وحتى فيروز.
لن أنسى كلمة البطريرك مكسيموس الصائغ في كلمة في حفل إفطار عام 1957: "إننا، نحن المسيحيين، سكّان وطننا السوري، لا نبخل بشيء، حتى بدمنا، في سبيل خدمته".
سأبقى مدافعاً ضد الإبادة.