هل يأتي الرئيس التايواني الجديد برياح الحرب على الصين؟

لم تترك واشنطن فرصة في استفزاز بكين عبر الجزيرة إلا مارستها، بدءاً بالزيارة التاريخية لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في آب/أغسطس 2022، وصولاً إلى صفقات الأسلحة التي توقعها الولايات المتحدة معها.

  • الرئيس التايواني.
    الرئيس التايواني.

دعت الصين، الخميس 11 كانون الثاني/يناير الجاري، سكان تايوان إلى اتخاذ "القرار الصحيح" خلال الانتخابات الرئاسية في الجزيرة المتمتعة بحكم ذاتي، مؤكدة أن المرشح الأوفر حظاً للفوز لاي تشينغ - تي يشكل "خطراً جسيماً" على العلاقات بين تايبيه وبكينـ بسبب مواقفه المؤيدة للاستقلال.

جرت رياح الانتخابات التايوانية عكس ما تشتهيه السفن الصينية، ولم يحتكم الشعب التايواني للقرار الصحيح، بحسب المفهوم الصيني، إذ فاز لاي، الذي تصفه الصين بأنه "خطر جسيم" بسبب مواقفه المؤيدة لاستقلال تايوان، في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الجزيرة، نهار السبت، 13 كانون الثاني/يناير الجاري. 

بحسب النتائج الرسمية شبه النهائية للاقتراع، حصل نائب الرئيس المنتهية ولايته، والذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، على 40.2% من الأصوات، بحسب النتائج التي تشمل 98 % من مراكز الاقتراع. وقال لاي أمام أنصاره: "أريد أن أشكر الشعب التايواني على كتابة فصل جديد في ديمقراطيتنا، لأننا نقول للمجتمع الدولي إنه بين الديمقراطية والاستبداد سنكون إلى جانب الديمقراطية".

رسم لاي، في كلمته لأنصاره، تموضع بلاده بين الدول الديمقراطية، أي الدول الغربية، التي تصارع في العالم "الدول الدكتاتورية"، وفق المفهوم الغربي، وعلى رأسها الصين. فالتموضع ليس جديداً، بسبب أن السياسة السابقة لتايوان لطالما كانت إلى جانب الولايات المتحدة، لكنها اتّبعت الدبلوماسية الحذرة مع بكين من دون اعتماد الصدام المباشر. فهل الخطر الجسيم، الذي يمثّله لاي، سيتفادى الصدام العسكري مع بكين؟

تؤكد الولايات المتحدة أن شبه جزيرة تايوان بمنزلة الحلقة الأضعف للصين، لجهة تطبيق سياسة الاحتواء لديها من خلال جرّ بكين إلى حرب معها. لهذا، بدأ المتابعون طرح السؤال: هل سيكون لاي، بالنسبة إلى الصين، بمنزلة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالنسبة إلى روسيا؟

جاء الظهور الأول لزيلينسكي، عبر شاشات التلفزيون الأوكرانية، بصفته رئيساً للدولة، على هيئة ممثل في مسلسل كوميدي ذي شعبية كبيرة في البلاد. لكن، سرعان ما أصبح التمثيل واقعاً. ففي عام 2019 انتُخب رئيساً فعلياً للبلاد.

نقاط التشابه بين زيلينسكي ولاي كانت واضحة، من خلال التوجه ببلديهما "نحو الديمقراطية، ومعارضة سيطرة الأنظمة الاستبدادية"، وفق التوصيف الغربي. فما يجمع بينهما أن بلدَي كليهما هو عند الحدود الجغرافية للقوى الصاعدة الروسية والصينية، والتي تشكل التحدي الرئيس للولايات المتحدة وللنظام الدولي القائم.

لهذا، قالت روسيا إن وصول زيلينسكي إلى السلطة في كييف، وتماهيه إلى جانب واشنطن، ومطالبته بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، أمورٌ تشكل خطراً يهدد أمن روسيا القومي. ومن هنا، اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا، بهدف اقتلاع حكومة زيلينسكي التي وصفتها بالنازية، ومن أجل تغيير النظام وإبعاد خطر توسع الناتو عن أرضها، والإتيان بحكومة أكثر تماهياً بمطالب موسكو.

أطلقت الصين مراراً تحذيرات لواشنطن من أجل الابتعاد عن التدخل في نتائج الانتخابات في تايوان، ففوز لاي سيجسّد "الخطر الزيلينسكي" على بكين، وسيعيد تجربة روسيا مع أوكرانيا. 

هذا ما قد يدفع الصين إلى الذهاب بعيداً في اعتراضها على نتائج الانتخابات الرئاسية لشبه الجزيرة، وهو ما قد يسرّع انجرار الصين إلى عملية عسكرية واسعة في تايوان من أجل إعادتها إلى "الحِضن الصيني"، كما كانت قبل الانشقاق عام 1949.  

بعيداً عن نتائج الانتخابات التايوانية، لم تترك واشنطن فرصة في استفزاز بكين عبر الجزيرة إلا مارستها، بدءاً بالزيارة التاريخية لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في آب/أغسطس 2022، وصولاً إلى صفقات الأسلحة التي توقعها الولايات المتحدة معها، إذ قالت وزارة الدفاع الصينية، في بيان، في آب/أغسطس الماضي، إنها قدمت احتجاجات شديدة إلى الولايات المتحدة بشأن حزمة المساعدات من الأسلحة التي قدمتها إلى الجزيرة.

لقد أبلغ مسؤولون عسكريون صينيون كبارٌ نظراءهم الأميركيين، خلال مباحثات جرت في واشنطن في 9 كانون الثاني/يناير الجاري، أن "الصين لن تتنازل أبداً أو تتراجع في مسألة تايوان ومبدأ الصين الواحدة". وأشارت بكين إلى أنها دعت، عبر الممثلين العسكريين لديها، واشنطن إلى "التوقف عن تسليح الجزيرة".

سياسة الاحتواء، التي اتّبعتها الولايات المتحدة مع موسكو، نجحت إلى حدّ ما في كييف، وها هي اليوم تعتمد على سياسة "تقليم الأظافر" مع إيران عبر اعتمادها الضربات الموجعة والرادعة لحلفائها في منطقة الشرق الأوسط. أمّا بخصوص الصين، فتبقى المسألة الأصعب للإدارة الأميركية لاحتوائها، لأنّ العملاق الآسيوي استيقظ، وبدأ العمل على تغيير النظام العالمي مع الشريك الروسي.

وعملت الولايات المتحدة على احتواء المدّ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بهدف استيعابه، فشكّلت مع الهند واليابان وأستراليا مجموعة "كواد" ذات التحالف العسكري، وهي بمثابة حوار أمني رباعي استراتيجي غير رسمي بين الدول الأربع، ويتمثل بالمحادثات بين الدول الأعضاء. 

الانفصال عن الصين هو مشروع لاي، الذي تناوله في كلمته أمام الحشود التي انتخبته للرئاسة، وهو ما ستبني عليه تايبيه مستقبلها للأعوام المقبلة، إذ من المؤكد أن تأخذ أفكار لاي المتطرفة نحو الالتحاق بـ"النظم الديمقراطية الغربية"، تخوفاً من الجانب الصيني، الأمر الذي سيشكّل تهديداً لأمن بكين القومي. فعلى غرار موسكو قد تسير بكين، ونرى في القريب العاجل القوات الصينية تجتاح الحدود التايوانية لتدخل في معركة تحريرها من أفكار الغرب المسمومة. 

بين عامي 2019 و2022، هناك ثلاثة أعوام كانت كافية لزيلينسكي لاستفزاز روسيا ودفعها إلى حرب برية، فهل الأمر سيكون مماثلاً مع لاي؟ أم أن الأمر لن يطول ثلاثةَ أعوام، بسبب ارتفاع نسبة الاستفزاز الأميركي في منطقة المحيطين وفي "جزيرة لاي"، فتكون الحرب الصينية على تايوان قاب قوسين، بل تستبق انتخابات الولايات المتحدة الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل؟