هل عجّل الثالوث النووي الروسي في زيارة زيلينسكي إلى الولايات المتحدة؟

ما أعلنه الرئيس الروسي بوتين بخصوص الثالوث النووي الروسي، أرعب الجميع، إلى درجة أن هناك حديثاً عن مطالب أوكرانية وُجِّهت إلى الولايات المتحدة الأميركية، تطلب إلى واشنطن الدخول في المواجهة بصورة مباشرة.

  • هل عجّل الثالوث النووي الروسي في زيارة زيلينسكي إلى الولايات المتحدة؟
    الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقائه الأخير بالرئيس الأميركي جو بايدن

تتحرك روسيا بكل ثقة نحو بسط مزيد من مقومات الحسم العسكري ضد أعدائها، عبر خيارات ردع استراتيجي ظاهر في أراضيها، وواضح حتى خارجها. وهي في ذلك تبيّن مدى تحكمها في مقومات ضمان انتصاراتها الحاسمة والشاملة عسكرياً، وحتى سياسياً واقتصادياً.

أمّا الانتصارات الاقتصادية فهي واضحة وجلية في فشل العقوبات الغربية، التي كانت موجَّهة ضد روسيا وضد اقتصادها، وخصوصاً أن هذه العقوبات يمكن تصنيفها في خانة أخطر تحالف اقتصادي معادٍ مر فيه العالم. لكن، على الرغم من كل ذلك، فإن هذه العقوبات لم تعطِ، حتى الآن، نتائجها المرجوة بقدر ما فضحت ضعف تماسك المنظومة الغربية.

والأكثر من ذلك أن هذه العقوبات أتت بنتائج عكسية وسلبية جداً، تصبّ في غير مصلحة بعض الدول التي تُحسَب على الحلف الغربي، الأمر الذي عجّل في بروز خلافات واضحة بسبب التبعات المرتدة لعقوبات كانت غير متوازنة من حيث الآثار المحتملة ضد مطلقي هذه المقترحات، فبانت الاختلالات في العلن، لتنجح نتيجةَ ذلك روسيا بصورة مضاعفة.

أوّل هذه النجاحات يتمثّل بقدرة روسيا على إظهار صمود اقتصادي كبير، وثانيها تمكّنها من تجاوز تبعات العقوبات المكثفة بحنكة اقتصادية ودهاء سياسي، لتؤكد تماسك اقتصادها وانسجام برامجه ومخططاته، إلى درجة جعلت نتائج العقوبات آثاراً مرتدة ضربت عمق التماسك الغربي في ظل ما تمتلكه روسيا من خيارات بديلة مهّدت الطريق لفضح ضعف التحالف الغربي أمام تناقض مصالحه وأطماعه، وحتى تعارض أهداف دول مهمة ومحورية من داخله، إلى درجة أن الرئيس الأميركي صار يُعيد طرح قضية تماسك الحلف الغربي من دون أن يسأله أحد عن ذلك. وآخر مرة كانت لدى لقائه الرئيس الأوكراني في واشنطن.

فهل يقدّم الرئيس الأميركي، في حديثه عن تماسك الحلف الغربي، تطمينات إلى نفسه، أم إلى ضيفه، أم من أجل ذرّ الرماد في العيون؟ أم أن التماسك عملة مفقودة لدى الغرب، إلى درجة أن هذا الأمر يتكرر في الخطابات السياسية وفيما يتبعها من تحليلات إعلامية؟

أمّا الانتصارات السياسية فأهمها يرتبط بما سبق ذكره بشأن تراجع التماسك الغربي الذي أضعفته المصالح الاقتصادية المتعارضة، كما يمكن قياس كل ذلك من خلال جانبين أساسيين. الأول يتمثّل بتماسك الوضع الداخلي الروسي، وزيادة مستويات إدراك الأهمية والأولوية للتعددية القطبية، حتى لدى شعوب أخرى من مختلف قارات العالم، على نحو يدعم الخيارات الروسية. أمّا الجانب الثاني فيتجلّى في نمو موجات المعارضة الشعبية في بعض الدول الأوروبية ضد توجهات حكوماتها التي تمارس سياسة الطاعة المطلقة لتوجهات ليست أوروبية، وفي غير مصلحة شعوب أوروبا، وخصوصاً تلك التي مصدرها من وراء المحيطات، وهي خاضعة لدوافع الهيمنة الأميركية التي بدأت تفقد توازنها، وهي من دون حدها الأدنى الكفيل بضمان تقاطع المصالح الغربية، لتظهر عدة محاولات انقلابية في أوروبا، ولتتصاعد معها حملات الرفض الشعبي لسياسة معاداة روسيا، انطلاقاً من أنها دولة أوروبية في الأساس، ولها أهمية استراتيجية في مختلف التعاملات الاقتصادية البينية بالنسبة إلى اقتصاد أوروبا. 

أمّا الانتصارات العسكرية الروسية فيمكن التعبير عنها من خلال مؤشر تزايد حجم المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا في مقابل ثبات الجاهزية القتالية للقوات الروسية، وما أعلنه الرئيس الروسي بوتين بخصوص الثالوث النووي الروسي، والذي أرعب الجميع، إلى درجة أن هناك حديثاً عن مطالب أوكرانية وُجِّهت إلى الغرب، وإلى الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، تطلب إلى واشنطن الدخول في المواجهة بصورة مباشرة ومن دون تردد، لأن الضربات الروسية فتكت بمنظومة الدفاع الجوي الأوكرانية، وفتحت أبواب الانتحار العسكري لأوكرانيا، التي طار رئيسها في زيارة مستعجلة للولايات المتحدة الأميركية.

فهل هي زيارة طبيعية في وضع عادي؟ طبعاً لا. أم هي زيارة تاريخية ورمزية وعادية، كما يحاول الإعلام الغربي تسويقها؟ أم أنها نداء استغاثة أخير قبل الهزيمة الحتمية أمام القوة الروسية في أرض المعركة، في ظل حرب قد تتحول في أي لحظة إلى أخطر ساحة للضربات النووية الاستباقية، أو قد تحدث فيها تفجيرات نووية مفاجئة، ناجمة عن استهداف المفاعلات النووية، التي يُفترض أن تكون بعيدة عن أهداف الطائرات والصواريخ الطائشة، التي لم تحسب عواقبها وتبعاتها والمخاطر الحقيقية ومختلف الكوارث الحتمية من جرّاء محاولات كسب انتصارات وهمية في أرض معركة يراد أن تكون مفتوحة على تطورات لا يمكن التكهن بنهاياتها، الأمر الذي يؤكد أن الخيارات الروسية هي الأعلى تكتيكاً والأكثر جاهزية، إلى درجة حركت منطق التهور العسكري النازي، وأكدت صحة الوجود الغربي المباشر في أرض المعركة. فكم دولة تواجه روسيا في الأراضي الأوكرانية؟ 

أمّا عددها فهو كثير ومؤكد، بوجود مشاركة ولو عبر التسليح والمعلومات الاستخبارية والمخططات العسكرية، وحتى من خلال الخبراء ميدانياً، بحسب بعض المصادر الإعلامية الروسية، التي تواجه هي أيضاً حملة إعلامية غربية فيها من الأخطاء المعلوماتية ما يكفي ليُطلَق عليه مصطلح الحرب الإعلامية، بداية بترويج نظرية عدم وجود مسؤولية غربية بخصوص ما يحدث في الأراضي الأوكرانية، التي تحولت إلى ساحة حرب إقليمية غير محسوبة العواقب والمآلات، وخصوصاً أن روسيا تمتلك أجهزة استخبارية قوية قادرة على توفير المعلومات الكافية لاستيعاب كل ما يدور من أحداث عالمية وإقليمية ومخططات مستقبلية. وهي تشتغل، في مختلف الأصعدة، بالتنسيق مع حلفائها التاريخيين، والبداية من بيلاروسيا، حيث المناورات والتكتيكات الحربية، التي أعادت إلى الأذهان أمجاد الاتحاد السوفياتي، الذي تمكن من ردع النازية، التي صارت مباحة غربياً بغطاءٍ أصبح مفضوحاً بصورة تلقائية للعالم ولمختلف الشعوب، غرباً وشرقاً.

فالحجج، التي اعتاد الغرب تقديمها حين التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومحاكماته غير العادلة للمجتمعات ولقياداتها، كل ذلك أسقطه الصمود الروسي في وجه الأحادية القطبية، وزعزعته استراتيجية الردع الروسي، لتتراجع بذلك الوصاية الغربية المطلقة، والتي كانت مفروضة على العالم، ولتعطي التطورات المتسارعة في الأشهر والأيام الأخيرة للعالم فرصة كفيلة بضمان التعددية القطبية المتوازنة والعادلة.

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.