قاسم سليماني: ممنوع تزوير التاريخ
لقد أنجز الشعب الإيراني ما يقارب 1000 كتاب وأثر وعمل فني متنوع عن شخصية البطل الأممي الإسلامي الذي منحه مقاومو فلسطين لقب "شهيد القدس".
تترك الحوادث التي يشهدها كل مجتمع آثاراً في حاضره ومستقبله، ويعد إحياؤها صياغة جديدة لها، حتى يتيسّر للناس أن ينتفعوا منها. وقد اعتادت المجتمعات البشرية إحياء حوادث الماضي بشكلٍ من أشكال الاحترام والتقدير، سواء تعلقت بأشخاص كان لهم دور مؤثّر في رقي مجتمعاتهم كالمكتشفين أو بأشخاص تميّزوا بدور مهم في تحرير أممهم، وأصبحوا أبطالاً يقتدى بكفاحهم، تماشياً مع رغبة فطرية أودعها الله سبحانه في أعماق الناس، هي الاعتراف بالجميل.
أشير إلى ذلك وأنا في الجمهورية الإسلامية التي بدأت بالفعل بإحياء الذكرى السنوية الثالثة لاستشهاد الحاج قاسم سليماني؛ الرجل الذي كان بطل الحرب ضد الصهاينة والإرهاب التكفيري الذي صنعته أميركا باعتراف هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، واعترافهما موثق بالصوت والصورة، كما تعلمون.
لقد أنجز الشعب الإيراني ما يقارب 1000 كتاب وأثر وعمل فني متنوع عن شخصية البطل الأممي الإسلامي الذي منحه مقاومو فلسطين لقب "شهيد القدس"، وسمّوا صاروخهم الأبعد مدى باسمه، وهو الصاروخ الذي وصل إلى قلب الكيان المؤقت في "تل أبيب"، لأنه بالفعل كان هدية الحاج قاسم للمقاومة الفلسطينية قبل استشهاده.
عام 2012، زرت قطاع غزة ضمن قافلة لكسر الحصار بصفتي الصحافية، ووُفقت لإنجاز تقريرٍ من مواقع المرابطين المقاومين. كان هاجسي أن أسألهم، على اختلاف انتماءاتهم الفصائلية، سؤالاً محدداً: من هو صديقنا؟ من هو ظهر المقاومة الداعم بلا منّة، إلا شرط مقاومة الاحتلال بطبيعة الحال؟
ورغم أجواء ما سمي بـ"الربيع العربي" يومها، فإن الجواب ملأ سمعي، ومن حدثوني كانوا بدرجة لا يمكن أن يجتمعوا فيها على الكذب. كان الجميع يشيرون إلى خط سياسي بعينه ومحور إقليمي يمثِّل جبهة العداء غير المترددة لبني صهيون، وأعتقد أنَّ على من خبروا الصديق الإيراني الوفي، وعلى أهل المقاومة بالخصوص، أن يتصدُّوا للإعلام الفتنوي العميل الَّذي يحاول أن يسوق عدواً للعرب غير الكيان الصهيوني، وعلينا أن لا نسمح لهم بحرف البوصلة عن العدو الأزلي لأمتنا بخلق أعذار وذرائع طائفية من أجل إخفاء الحقائق وترك فلسطين وحيدة تواجه الآلة العسكرية الصهيونية بصدر عارٍ.
في رحلة عملي وبحثي، تابعت كلّ ما نشر عن نشاط الحاج قاسم العسكري وبطولات شبابه في كلِّ الميادين، من خرمشهر إلى الجنوب اللبناني إلى فلسطين إلى سوريا والعراق، ومواجهة المجموعات الإرهابية الصهيو-داعشية. شكراً بالفعل لمن يوثّق هذه المفاصل التاريخية والتضحيات والإنجازات التي يحرص الأميركي دوماً على أن ينسبها إلى نفسه، ويقول إنّه أنقذ المنطقة من جحيم الإرهاب والتكفير.
لولا هذه التّضحيات لما استطاعت دول منطقتنا أن تمارس حياتها الطبيعية، فقد فنى هؤلاء الفتية؛ إخوان سليماني الكربلائيون، حياتهم للحفاظ على مصلحة أمتهم، وتقدّموا إلى الشهادة على طريق الأهداف التي لا يساومون عليها بأيِّ حال.
بالمناسبة، قبل أيام عشنا الذكرى الخامسة لإعلان النصر على "داعش" الإرهابي في العراق، فيما وسائل إعلام صنّاع التنظيم تزوّر الحقيقة، وتقول إنَّ هذا النصر لم يكن ليتم إلا بفضل التحالف الدولي، أي الأميركي. ولأنَّ هذا الكلام مجافٍ للحقيقة، ومن أجل التبيين، وشهادة لله والتاريخ، أحاول أن أذكّر بهذا الراحل العظيم.
وإذا كنا من أهل الوفاء، فلا بد من شكر أصحاب الفضل، لأن مشروع الخلافة الداعشية لم يكن إلا لعبة صهيو-أميركية لتمزيقنا من الوريد إلى الوريد وإطالة عمر الكيان المؤقت. ولو نجحوا في ذلك في العراق، لسقطت كل المنطقة، ولَبيعت بناتنا في أسواق النخاسة الصهيو-داعشية.
الشكر لقوات العراق على اختلاف صنوفها، للحشد الشعبي العراقي، ومن خلف هذا الحشد سماحة السيد المرجع السيستاني، وكذلك المرشد السيد علي خامنئي الذي سخر كل إمكانيات إيران للدفاع عن العراقيين جميعاً، والشكر موصول للسيد حسن نصر الله الذي أرسل في اليوم التالي على سقوط الموصل أكثر من 50 قائداً ميدانياً من قادة المقاومة كانوا باكورة مقاومة المؤامرة الأميركية الداعشية داخل العراق. أرسلهم في طائرة خاصة برفقة الشهيد سليماني، الذي كان يقود المعارك ميدانياً على الأرض وفي المقدمة، وكانت روحه على كفه دفاعاً عنا جميعاً.
يجب بكل الأشكال توثيق هذه التضحيات والإنجازات، فالأميركي والتابعون له هم الرحم الحقيقي المصدّر لهذه النفايات السامة، وصولاً إلى جناية قتلهم أهم جنرال أممي في إنهاء خلافة "داعش" قاسم سليماني.