في البحرين: التعاطف مع حزب الله وأمينه العام جريمة!

حرية التعبير في البحرين ليست قضية فردية فقط، بل هي قضية تمس المجتمع بأكمله. والتعبير عن التضامن مع قضايا الشعوب العربية، بما في ذلك مقاومة الاحتلال، جزء لا يتجزأ من هوية الشعب البحريني.

  • الموقف البحريني من العدوان على غزة ولبنان.
    الموقف البحريني من العدوان على غزة ولبنان.

تجربتي مع الجرائم الإلكترونية- التحقيقات الجنائية بقلم: أحمد رضي (ناشط إعلامي) في ظل المناخ السياسي المتوتر في البحرين، يواجه الإعلاميون والناشطون تحديات جسيمة تتمثل بالتضييق المتزايد على حرية التعبير. تستخدم القوانين الصارمة لإسكات الآراء المعارضة، وخصوصاً في القضايا الإقليمية الحساسة. واحدة من هذه القضايا هي التعاطف مع المقاومة اللبنانية (حزب الله) والأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، والذي أصبح يُعَدّ جريمة يعاقب عليها القانون البحريني.

هذا المقال يعرض تجربتي الشخصية مع التحقيقات الجنائية والضغوط التي يواجهها الناشطون في البحرين، ويقدم توصيات إلى الناشطين المهتمين بالدفاع عن حقوق الإنسان. تجربتي مع التحقيق: مساء الخميس، الـ3 من أكتوبر 2024، تلقيت اتصالًا من قسم الجرائم الإلكترونية في إدارة التحقيقات الجنائية (العدلية)، يطالبني بالحضور الفوري للتحقيق.

كنت أتوقع هذا الاستدعاء في ظل تصاعد الحملة الأمنية التي تستهدف الناشطين بسبب منشوراتهم في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الأوضاع الإقليمية، وخصوصاً المتعلقة بالتعاطف مع حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله، على خلفية الحرب الدائرة بين لبنان و"إسرائيل".

عند وصولي إلى مقر التحقيقات رفقة أخي، تم التعامل معنا بصورة منفصلة. في التحقيق السابق، تعرضت للتعذيب، بدنياً ونفسياً، لحيث تم ضربي وإهانتي وتجريدي من ملابسي وتصويري، لكن هذه المرة كانت المعاملة محترمة. واجهني المحقق بأسئلة مباشرة بشأن منشوراتي في وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بحزب الله.

كان الهدف من التحقيق واضحاً: إرغامي على التوقيع على تعهد بشأن عدم إبداء التعاطف مع حزب الله أو السيد نصر الله. في البداية، رفضت التوقيع متمسكاً بحقي في حرية التعبير، كما يكفله القانون الدولي (المادة الـ19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي صادقت عليها البحرين)، بحيث أكدت أن موقفي يأتي في إطار الدفاع عن حقوق الشعوب في مقاومة الاحتلال. شرحت للمحقق أن تعاطفي مع القضايا العربية، بما في ذلك فلسطين ولبنان، جزء من التزامي، إنسانياً ومهنياً. وأوضحت أن مقاومة الاحتلال حق مشروع تكفله القوانين الدولية، سواء كانت هذه المقاومة من خلال حركات مثل حماس أو حزب الله. ومع ذلك، وجدت نفسي تحت ضغط كبير، إذ أشار المحقق إلى أن رفضي التوقيع سيعرضني للاعتقال والمحاكمة.

لم يكن لديّ خيار سوى التوقيع لتجنب الملاحقة القانونية، وتمت مطالبتي بحذف المنشورات المتعلقة بالتعاطف مع حزب الله والسيد حسن نصر الله. هذا التوقيع لم يكن عن قناعة، ولا يعني ذلك التخلي عن قناعاتي ومبادئي، بل كان وسيلة لتجنب العقوبات الفورية، واستجابةً لضغط قسري يهدف إلى الحد من حريتي في التعبير، وهو ما يعكس حجم الضغوط التي يتعرض لها الإعلاميون وناشطو حقوق الإنسان في البحرين.

هذه التجربة ليست فريدة من نوعها، بل هي جزء من نمط متكرر في البحرين يستهدف إسكات الأصوات المعارضة وفرض رقابة مشددة على كل من يعبر عن رأي مخالف للسياسات الرسمية. كثيرون من الناشطين يتم استدعاؤهم واستجوابهم بسبب آرائهم في وسائل التواصل الاجتماعي، مع استخدام قوانين مكافحة الإرهاب أداةً لقمع الأصوات التي تدافع عن حقوق الشعوب العربية. وفي الوقت الذي تحتاج المنطقة إلى نقاشات حرة ومفتوحة بشأن القضايا الإقليمية، نجد أن القمع يزداد ضد كل من يحاول التعبير عن رأي مخالف للسياسات الرسمية.

ختاماً، أكدت للمحقق أنني سأواصل ممارسة حقي في التعبير بأساليب تتوافق مع القيود القانونية، من دون التنازل عن المبدأ الأساسي في الدفاع عن حقوق الشعوب العربية. التناقض بين القوانين المحلية والدولية: البحرين، مثل عدد من الدول الأخرى التي تصنف حزب الله منظمةً إرهابية، تعتمد على قانون مكافحة الإرهاب رقم (58) لسنة 2006 لتبرير قمع الآراء المعارضة. هذا القانون يمنح السلطات صلاحيات واسعة لتجريم أي نشاط يُعَدّ تهديداً أمنياً.

لكن، إذا نظرنا إلى هذا القانون في ضوء التزامات البحرين الدولية، نلاحظ تناقضاً صارخاً. المادة الـ19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي صادقت عليها البحرين، تنص على حق الأفراد في البحث عن المعلومات وتلقيها ونقلها بحرية.

هذا يعني أن البحرين، من الناحية القانونية الدولية، ملزمة بحماية حرية التعبير، وليس قمعها. ومع ذلك، يتم استخدام القوانين المحلية لتقييد الحق المشروع في التعبير عن الرأي، وخصوصاً في القضايا المتعلقة بحقوق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وهي حقوق أقرّتها المواثيق الدولية. كما أن منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش دانت مراراً استخدام هذه القوانين لقمع الآراء السلمية، مؤكدة أن هذه الممارسات تتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية.

موقف الشعب البحريني.. رفض التطبيع على الرغم من القيود السياسية، يبقى الموقف الشعبي في البحرين واضحاً: رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني. بغض النظر عن الانتماءات الطائفية، سواء كانوا شيعة أو سنة، فإن هذا الرفض يعكس وحدة البحرينيين في الدفاع عن القضايا العادلة، وخصوصاً دعم حقوق الشعوب المضطهدة في فلسطين ولبنان.

حرية التعبير في البحرين ليست قضية فردية فقط، بل هي قضية تمس المجتمع بأكمله. والتعبير عن التضامن مع قضايا الشعوب العربية، بما في ذلك مقاومة الاحتلال، جزء لا يتجزأ من هوية الشعب البحريني.

وعلى رغم الضغوط الداخلية والخارجية، فإن موقف الشعب البحريني يبقى ثابتاً وموحَّداً في قضايا العدالة والحقوق. توصيات للناشطين والإعلاميين: الاستمرار على رغم التحديات في ظل القيود الصارمة، أصبح من الضروري التكيف مع الظروف القاسية من خلال تبني أساليب جديدة للتعبير عن الرأي. بين هذه الأساليب استخدام الفن البصري، مثل الكاريكاتير والسرد القصصي، كأدوات تعبيرية لا تواجه الرقابة المباشرة.

كما يمكن للناشطبن اللجوء إلى المنصات الدولية للنشر والابتعاد عن الرقابة المحلية، ونقل آرائهم إلى جمهور أوسع، بالإضافة إلى التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية، بحيث يشكل وسيلة قوية لحماية الناشطين، وتسليط الضوء على قضايا حرية التعبير في البحرين على المستوى العالمي. ورسالتي إلى جميع الناشطين: يجب علينا التمسك بحقنا في التعبير والدفاع عن القضايا العادلة، بما في ذلك مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ورفض جرائمه ضد الإنسانية.

والتوقيع على تعهد أمني تحت الإكراه لا يعني التخلي عن المبادئ أو قبول القيود المفروضة على حرية التعبير، بل هو وسيلة لحماية النفس، والاستمرار في النضال عبر طرائق مبتكرة مهما كانت التحديات، لأن هذا النضال هو جزء من مسؤوليتنا الإنسانية والأخلاقية تجاه الشعوب العربية وحقوقها.