تصعيد التوتر في الشمال السوري بعد دعم بريطانيا للأكراد
التدخل البريطاني في هذا الصراع سيشكل تهديداً كبيراً للمصالح التركية في شمالي شرق سوريا، وخصوصاً أنه يأتي في وقت كانت تركيا تأمل تحقيق نصر سريع وإنهاء "قوات سوريا الديمقراطية".
-
التنسيق الأمني والمعلوماتي مستمر بين الاستخبارات البريطانية وقوات "قسد" (أرشيف).
بالتزامن مع التغيرات السياسية العميقة، التي تشهدها الساحة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع رئاسة الجمهورية العربية السورية، يتصاعد التوتر في مناطق الشمال بين القوات الكردية والفصائل الموالية لتركيا، لتجد الإدارة السورية الجديدة نفسها أمام مفترق طرق يحدد ملامح المرحلة المقبلة، مع بروز ملف "قوات سوريا الديمقراطية"، "قسد"، كأحد الملفات الأكثر حساسية، وخصوصاً أنّ منطقة واسعة من شمالي سوريا وشرقيها تقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية التي أنشأتها وحدات حماية الشعب الكردي، وهي العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، بعد اندلاع الثورة في سوريا عام 2011. وإلى جانب الاشتباكات المتواصلة، تدور مفاوضات بين الإدارة الذاتية والإدارة السورية الجديدة، في محاولة من الأخيرة بسط سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية واستعادة السيادة الكاملة على البلاد، وسبق أن صرّح الشرع بأن القوات الكردية هي الطرف الوحيد الذي لم يلبي دعوة الإدارة الجديدة إلى حصر السلاح في يد السلطة، مضيفاً أنه لا يمكن قبول وجود مجموعات المقاتلين الأجانب في سوريا، بينما أعلنت "قسد" سابقاً أنها مستعدة للاندماج في الجيش، لكن ضمن شروط، أحدها رفض تسليم السلاح.
وفي الوقت الذي تدور المفاوضات، تتصاعد الاشتباكات، وتشهد المناطق القريبة من سد تشرين مواجهات متواصلة منذ أكثر من شهر، أسفرت عن سقوط عشرات المقاتلين من الجانبين، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعمق الانقسامات في المشهد السوري، بحيث شهدت مدينة منبج، الواقعة في ريف حلب الشرقي، حدوث انفجار عنيف نتيجة انفجار سيارة ملغَّمة في الطريق السريع الرئيس. وأسفر هذا الحادث عن سقوط 15 قتيلاً و15 جريحاً، وفقاً لما ذكره الدفاع المدني السوري، مع الإشارة إلى أن منبج تقع تحت نفوذ الجيش الوطني الموالي لتركيا. ويُعَدّ هذا التفجير السادس من نوعه في مناطق سيطرته. وكان الجيش الوطني تمكن من السيطرة على مدينة منبج الشهر الماضي بعد اشتباكات مع "قوات سوريا الديمقراطية"، "قسد".
في الوقت نفسه، تشهد الحدود التركية – السورية حالة من التأهب القصوى من جانب قوات الجيش التركي، بحيث قام الجيش بنقل المعدات والمركبات العسكرية والذخائر من مدينة سروج في شانلي أورفا نحو حدود عين العرب، "كوباني"، استعداداً لتنفيذ عملية عسكرية كبيرة. وتأتي هذه التحركات في ظل تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، والتي أكد فيها عدم وجود مكان "للمنظمات الإرهابية" في سوريا في ظل قيادته، في تحذير يستهدف القوات الكردية، بحيث تَعُدّ تركيا وحدات حماية الشعب الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وتصنفها جماعة إرهابية تشكل خطراً على أمنها القومي، وخصوصاً أن "قوات سوريا الديمقراطية" تسيطر على نحو 30% من الأراضي السورية، وتشمل منطقة سيطرتها الفعلية الجزء الأكبر من موارد النفط والغاز في البلاد. وتُعَدّ "قسد" قوة عسكرية وسياسية محورية في شمال شرقي سوريا، إضافة إلى علاقاتها القوية بكل من الولايات المتحدة و"إسرائيل.
وأكدت صحف غربية العلاقة القوية بين الطرفين، بحيث دعت إلهام أحمد، مسؤولة العلاقات الخارجية في "قوات سوريا الديمقراطية"، في مقابلة مع صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية، قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى التدخل في سوريا بصورة أكبر، وأضافت أن "أمن سوريا يتطلب تدخل إسرائيل، وأن أزمة الشرق الأوسط تستوجب من الجميع فهم أن الحل الديمقراطي للمنطقة لن يتحقق من دون دور لإسرائيل والشعب اليهودي"، الأمر الذي يدل على العلاقة الوثيقة.
وأشارت الصحف ذاتها إلى أن "واشنطن تُعَدّ من أبرز الداعمين للقوات الكردية"، الأمر الذي أكده ماركو روبيو، وزير الخارجية، وقال إن الأكراد يشكلون حليفاً موثوقاً بهم في مكافحة تنظيم "داعش"، مشدداً على عدم التخلي عن الشركاء الأكراد.
وأكدت الصحف "قيام واشنطن بنشرها مزيداً من قواتهم في مدينة كوباني الاستراتيجية"، إلى جانب إرسالها ألف جندي إضافي. يأتي هذا الإعلان بالتزامن مع إرسال الولايات المتحدة طائرة شحن محمّلة بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة، الأمر الذي يعكس رغبة التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، في المحافظة على الوجود الكردي في شمالي سوريا، وإيقاف الهجوم التركي.
من جانب آخر، ووفقاً لمصادر ميدانية كردية، فإن "قوات سوريا الديمقراطية"، "قسد"، تتلقى دعماً استخبارياً كبيراً من المملكة المتحدة، الشريكة الأساسية لواشنطن ضمن التحالف الدولي في البلاد، الأمر الذي يعزز قدرتها على مواجهة الفصائل المدعومة من تركيا وتنفيذ كمائن ضدها.
وبحسب المصادر، فإن التنسيق الأمني والمعلوماتي مستمر بين الاستخبارات البريطانية وقوات "قسد". وأتاح هذا التنسيق لقوات "قسد" مؤخراً اعتقال عناصر من الجيش الوطني، بمن في ذلك جنود أتراك، خلال المعارك في ريف حلب، فضلاً عن تدمير عدد كبير من الآليات، بحيث أدى الإسناد الاستخباري، الذي قدمه جهاز الاستخبارات البريطاني "MI6"، دوراً كبيراً فيما حققته "قسد".
وأكدت المصادر الكردية ظهور صور ومقاطع فيديو في صفحات التواصل الاجتماعي للقيادي البريطاني "كريستوفر لي"، القائد الثاني لشركة "Aegis Forces" العسكرية الخاصة، في أربيل.
وجاء ذلك تزامناً مع زيارة قائد "قسد" مظلوم عبدي لأربيل ولقائه رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، الأمر الذي يؤكد تدخل لندن في الصراع الكردي – التركي في سوريا.
ويبدو أن بريطانيا نفسها، التي ساهمت سابقاً في إفشال الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عام 2016، وكان موقفها آنذاك داعماً للرئيس التركي ضدّ معارضيه، على عكس الولايات المتحدة الأميركية، أما اليوم فتتعارض الممارسات البريطانية في سوريا مع الأمن القومي التركي وإفشال محاولات أنقرة القضاء على الفصيل، الذي تَعُدّه تهديداً لحدودها الجنوبية، ليتضح أن الموقف البريطاني رجّح المصلحة البريطانية على المصلحة التركية، لأن العلاقات الدولية تحكمها المصالح لا العواطف، في مسعى منها لنيل نصيبها في السيطرة على منابع النفط السورية والتي تقع في مناطق سيطرة الأكراد.
بالتالي، فإن التدخل البريطاني في هذا الصراع سيشكل تهديداً كبيراً للمصالح التركية في شمالي شرق سوريا، وخصوصاً أنه يأتي في وقت كانت تركيا تأمل تحقيق نصر سريع وإنهاء "قوات سوريا الديمقراطية"، "قسد"، عبر فصائل الجيش الوطني، تزامنا مع الزحف السريع لهيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع إلى دمشق وسقوط نظام الأسد.
غير أن الرياح البريطانية جرت بما لا تشتهيه السفن التركية، واليد الطولى للاستخبارات البريطانية تظهر بوضوح في سلسلة الانفجارات التي هزت منبج كونه أحد الأساليب التي لطالما تستخدمها الأخيرة لترهيب الأطراف المتناحرة وتعزيز الخلافات، سعياً منها للحصول على صفقة ما تحقق المصلحة البريطانية.