بين الاستقالات وطرح بايدن... ماذا بعد ذلك؟
منذ اليوم الأوّل للطوفان، يسعى بايدن لإنقاذ الكيان، عبر مقاربة براغماتية أميركية، لكن ما ينطبق على شخصية أميركا السياسية وإداراتها للأزمات لا يمكن إسقاطه على "إسرائيل".
بنيامين نتنياهو، في أوّل تعليق له، على استقالة ثلاثة وزراء من حكومته، هم بيني غانتس وغادي آيزنكوت وحيلي تروبر، اثنان منهم في حكومّة الحرب المصغرّة "الكابينت" أو "حكومة الطوارئ"، قال في منشور، عبر منصة "أكس": "تخوض إسرائيل حرباً وجوديّة في عدة جبهات، يا بيني (غانتس)، هذا ليس الوقت الملائم للتخلي عن الحملة، بل هذا هو الوقت الملائم لتوحيد القوى". منطقياً، كلامه صائب، ولكن.
لا تستطيع أي دولة خوض أي حرب في ظلّ تخبط واضح في القرارين السياسي والإداري للحرب على وجه الخصوص. نتنياهو انطلق من هذه الثابتة، تعليقاً على الاستقالات، لكنه نسي هو الآخر أنّ هذه الاستقالات ليست مفاجأة، فالتباين في حكومته كان واضحاً منذ بداية طوفان الأقصى، فهي كان لها جذر سابق "داخلي" ثم أتى الطوفان، ليزيد في التباينات. مقاربة نتنياهو بشأن الحرب وتصنيفها وجوديّة، صحيحة.
لمحة عن الاستقالات وتداعياتها
الاستقالات، وإن تعددت أسبابها، إلّا أنها تصب في الخانة نفسها، غانتس يُعَدّ رجل أميركا في الحكومة، لكن لا مؤشر واضح على أنّه تلقى تعليمات مباشرة ليقدم على هذه الخطوّة، على رغم تلويحه بها مرات متعددة سابقاً.
وإن كانت التعليمات هي الدافع فلا فرق، لأن أي أحد مكان المستقيلين لم يكن ليرغب في أن يرتطم القطار الذي يركبه بجدار الفشل الواضح، ففضلوا القفز منه. نتنياهو لا يمتلك هذا الترف في الاختيارات، وأيضاً خيارات ملء الشواغر لن تقدم جديد.
وبن غفير، ليس سوى بوق، إن نفذ قليلاً من أفكاره المعلَنة فسيكون سرّع في توصيف نتنياهو، بوصف الحرب بالوجودية. هنا التوصيف نظريّ مؤجّل. إذا استطاع بن غفير التحكّم وفرضَ آراءه فسيكون نقل الكيان إلى واقع الوجوديّة العمليّة. ولا أظن أنّ هناك فارقاً، بين يمين وآخر داخل الكيان، الجميع بـ "اسرائيل" معني بإدارة أزمة بنيويّة حُبلى ولّدت مشروعها التحولي في السابع من أكتوبر.
التداعيات محدودة، لأن أيّ مراقب من كثب، لم يلاحظ عند كل الأحزاب الإسرائيلية، حتى المعارضة لشخص نتنياهو في بازار سياسي داخلي، أي طرح علاجي استراتيجي. والتباين لم يكن على سياسّة القتل الممنهج، بل على تكتيكات تقبُّل الهزيمة من جهة، والاستفحال في القتل من جهة أخرى.
الخياران نتائجهما "جدليّة وجوديّة" وإخراجهما ليس عسيراً، لذا فإن كل هذا لم يعد ينفع، والتهويل والتهديد أصبحا محط سخرية. وجلّ ما يبرز بعد الاستقالات هو مزيد من التخبط، فأكثر من الذي حدث لن يحدث، وإذا حدث أكثر في جبهات أخرى بهروب الى الأمام، فستكون تنبؤات نتنياهو التي استجدى فيها غانتس هي الخلاصة.
طرح بايدن وقرار مجلس الأمن
منذ اليوم الأوّل للطوفان، يسعى بايدن لإنقاذ الكيان، عبر مقاربة براغماتية أميركية، لكن ما ينطبق على شخصية أميركا السياسية وإداراتها للأزمات لا يمكن إسقاطه على "إسرائيل"، لأنّ التركيبة البنيوية للكيان الإسرائيلي مغايرة، من حيث حجم الصدمة، وحجم التحديات الداخليّة من جهة أخرى. ولم تُقدَّم إلى الآن حلول لما بعد الحرب، فثمة قنبلة موقوتة أخرى أيضاً في الانتظار.
طرح بايدن مسكّن وليس علاجاً. مرده أن الولد السيئ يجلب إلى أهله العار الدولي. الإدارة الأميركية تهتم بهذا التفصيل، كما أنها تهتم بتفاصيل أخرى أيضاً، كوقف الاستنزاف المعنوي والتسليحي لها غير الناجع على مستوى الممارسة الإسرائيلية.
المقاومة في فلسطين سارعت بالترحيب بقرار مجلس الأمن المقدم من الجانب الأميركي مع تحفظات قدمتها إلى المصري والقطري، أهمها الانسحاب الكامل من غزّة وعدم تقليص مساحتها، والشروع في عملية التفاوض على الأسرى وتفاصيل أخرى. لكن، بصورة عامة، المقاومة الفلسطينيّة تبدي مرونة حذرة، كونه استقرائياً، عنوانه الثمن دُفع، والتنازل عن أي محدد جوهري بسياق التفاوض، ليس ملحاً، ولا هو عامل ضاغط على المقاومّة.
الغاية الأميركية هي تسكين الوجع الإسرائيلي المؤلم، وإنقاذ السمعة الأميركية والسمعة الإسرائيلية بشراء وقت كافٍ لتنفيذ الغاية المرجوة، وأظن أن هذا غير كافٍ، لسبب جوهري، مفاده أنّ سلطة المبادرة فقدت، والتحولات الاقليمية والعالمية أتت في ظرف قد يتغيّر فيه تكتيك المقاومّة، وهذا ليس ببعيد، ولا هو أساساً غير مطروح.