الحرب على توقيت ساعة حزب الله لا ساعة "إسرائيل"!
كل هذا البارود الذي جاؤوا به الى الشرق لتفجيره يعطي صورة واضحة عن الخوف الحقيقي من حزب الله وقوته التي لا يعلم احد مداها.
ما يقارب الأسابيع الثلاثة مضت حتى الآن على عملية المقاومة الفلسطينية التاريخية ولم تقدر "إسرائيل" بعد أن تجر حزب الله في لبنان إلى مستنقع انتقامها الدموي وعطشها للقتل، لم يخرج حزب الله للحرب في ساعة جنون "إسرائيل"، التي لم تستفق من صدمتها حتى الساعة، لكنه يعد العد الكبرى للحرب الواعية التي تعرف فيها "إسرائيل" حينها معنى الأهداف التي يتم استهدافها، وحجم الخرق الأمني والعسكري الذي ستتعرض له.
حتى الآن، هناك لوحتان ومشهدان: مشهد عملية عسكرية للمقاومة الفلسطينية حفرت على نعش "الدولة" الإسرائيلية الواهمة طلاسم موت مبكر ورحيل قريب لا جدال فيه. لقد رسمت المقاومة الفلسطينية حتى الساعة يوم القيامة بالنسبة إلى المفسدين في الأرض الغاصبين المدنسين للمقدسات.
أما الصورة الثانية والمشهد الآخر فللحاخام اليهودي المتعطش للدماء وآلة القتل الجبانة التي تشفي صدور الإرهاب الاستيطاني ببحور من دم الأطفال ستتحوّل قريباً الى طوفانٍ آخر يغرق "إسرائيل" ومجرميها وقادة حربها و"جيشها" ومستوطنيها.
لقد جنّب حزب الله لبنان وأطفال لبنان حتى الآن حفلة الأضاحي والدماء التي يقيمها الإسرائيلي على أجساد أطفال فلسطين. لكنه في الوقت ذاته، فتح جبهة مشتعلة على حدوده الجنوبية جعلت "الجيش" الإسرائيلي يصحو من سكرته، ويبدأ في عدّ الأقداح قبل القرار بدخول غزة.
وها هي الأعذار تتوالى تارة الطقس وأخرى المناخ، ولكن الحقيقة أن المجرم الجبان الذي يرمي قنابله على أجساد الأطفال لا يمكن أن يقف في حرب رجلٍ لرجل.
"إسرائيل" جيش مهزوم يملك أن يمارس الإرهاب والترويع والانتقام يقصف البيوت ليلاً، "جيش" خائف يمتلك من التكنولوجيا التي تمكنه من ملاحقة الطفل النائم في المهد، لكنها تعجز عن ملاحقة الرجال.
تقتل "إسرائيل" الأطفال عن قصد، لقد قالوها بكل صراحة "الطفل الذي لا نقتله اليوم سيقتلنا غداً" لكنهم نسوا أن الغد الذي يعدّون له أصبح قريباً جداً، وربما أطفال اليوم هم سكان الأرض المغتصبة غداً.
أما في ما يخص حزب الله، فإن معركته لن تكون مؤلمة فحسب بالنسبة إلى الإسرائيلي بل ستضع النقاط على حروف الخرائط التي يحاول الإسرائيلي تغييرها. وها هي أولى البشائر قد ظهرت على الحدود الجنوبية حيث فقأت المقاومة عين "إسرائيل" وأعمت أجهزتها عن مراقبة السياج الحدودي وجعلتها عمياء عن رؤية ما يجري وما يمكن أن يكون دخل أو خرج من الأراضي المحتلة.
معركة حزب الله بتوقيت حزب الله وبأهداف حزب الله فـ"إسرائيل" المتعطشة للدماء والمتسلحة بضوء أخضر أميركي وأوروبي عينها اليوم على الأطفال والأبرياء في كل الساحات، أما المجاهدون فهي مهزومة أمامهم نفسياً، لم تنس صور جنودها وضباطها يستصرخون ويطلبون النجدة، لقد مُني "الجيش" الإسرائيلي بهزيمة معنوية حادة جعلته يعاني من متلازمة 7 أكتوبر.
لا أحد يعرف متى تحين الساعة التي حددها حزب الله للحرب، إذ أثبت اليوم أنه يتحرك ضمن خطط حرب وقواعد اشتباك ولا يتحرك بردات فعل عشوائية أو انتقامية.
وهذا ما يرعب العدو أكثر فحزب الله لم ينتقم بعد، ولم يسترد فاتورته الأخيرة من الإسرائيليين في دماء أطفال غزة، وكلما حافظ على توازنه أكثر نشر الرعب في نفوس الجنود الإسرائيليين من المعركة القادمة.
عبر الإعلام يستطيع الشاعر نتنياهو أن يقول من أبيات التهديد والوعيد ما شاء، ويستطيع وزير حربه أن يكثر من الصور البيانية التي في خياله عن سحق حماس وتدمير لبنان وغيرها من الأوهام والأماني الإسرائيلية التي لم تتحقق يوماً، ولن تتحقق بإذن الله.
لكن الحقيقة على الأرض مختلفة تماماً، الإعلام الإسرائيلي يقول إن ما يقوم به حزب الله اليوم كان في الأيام العادية يجر إلى حرب. لكن الإسرائيلي اكتفى بالضربات الفولكلورية وعلى مضارب غزة دبابات وآليات حديثة وجنود مرعوبون، فهم تارة يشتكون من قلة العتاد وتارة أخرى يشتكون من عدم الجهوزية في حرب لم يخوضوها بعد. وأكثرهم كما قال الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن في مقابلة منذ يومين، أكثرهم جنود بالكاد تدربوا على حمل السلاح، لكن على نتنياهو أن يقوم بما يجب القيام به في نهاية المطاف، على حد قوله.
لكن، في نهاية المطاف وآخر النفق، صمود خرافي أسطوري ما وراء الواقع للفلسطينيين في قطاع غزة لم يشهد له التاريخ لشعب تُلقى عليه القنبلة النووية بالتدريج ولا يحرك ساكناً ضد مقاومته، بل على العكس، يخرج صارخاً مهدداً ومتوعداً. هذا ما تخافه "إسرائيل" أكثر من أي شيء آخر، وهذا السلاح الذي تعمل على هدمه، وهو إرادة الشعب للصمود والقتال.
شعب يشيّع أبناءه وإخوانه وأزواجه ثم يخرج ليهتف للقضية الفلسطينية، شعب واع مثقف منتبه يفهم "إسرائيل" جيداً، شعب يقدم المهر الغالي لقضيته، شعب لا يمكن أن يهزم.
لا رجوع إلى الوراء اليوم على أي جبهة ولا تراجع. في لبنان فتح حزب الله جبهته بذكاء وهدوء بمنتهى الدقة، وفي غزة ينتظر المجاهدون الغزو البري بفارغ الصبر. عمليات عسكرية على مواقع أميركية في العراق، صواريخ انطلقت من اليمن، وصمت مطبق للأمين العام لحزب الله حول الحرب يجعل المحللين السياسيين في "إسرائيل" مرتبكين في رؤية المشهد، والكل في "إسرائيل" بات يعتقد أن الخطوة التالية هناك تنتظر ما سيقوله السيد.
هذا المشهد الحقيقي لقوة المحور يحاول الإسرائيلي التغطية عليه بافتعال الجرائم القاسية التي لم يسبقه إليها أحد حتى في أفران الحرق النازية التي يتباكى عليها، ويستحصل فيها على عطف العالم.
أطفال فلسطين هم اليوم رسالة إلى العالم عن حقيقة "إسرائيل"، رسالة إلى الذين يريدون السلام في المنطقة، ورسالة إلى الجيل الذي لم يستحضر وحشية "إسرائيل" في الماضي، رسالة إلى الرأي العام العالمي الذي تلمع "إسرائيل" صورتها أمامه بأطنان من الأكاذيب والفبركات، رسالة إلى كل أحرار العالم كي يعرفوا الخطر الحقيقي لـ"إسرائيل"، ليس على المنطقة العربية، فحسب بل على العالم أجمع. لن تستطيع "إسرائيل" بعد اليوم أن تقدم رواية أخرى، ولن تستطيع على الأقل أن تقنع الرأي العام العالمي بمظلوميتها والناس تشاهد مباشرة قصف المستشفيات وأشلاء الأطفال.
"دولة" بهذه الوحشية وهذه الشهوة المفرطة للقتل والتعطش للدماء تمتلك رؤوساً نووية هي خطر على البشرية أجمع، وليس خطراً على الدول العربية فحسب. "دولة" تقتل الأطفال بهذه الوحشية هي خطر على أطفال لبنان ومصر والأردن وسوريا، ليس هناك طموح للمنطقة بوجود "إسرائيل"، وليس هناك مستقبل أو أي أمل بالازدهار. "دولة" يقودها التطرف الديني الأكثر شدة في العصر الحالي لا يمكن أن تكون بعد اليوم عضواً مقبولاً عالمياً في نادي "الدول الحضارية"، كما يسعى نتنياهو أن يسوّق حربه لدى أوروبا والغرب، لقد قال نتنياهو إن هذه الحرب هي حرب الحضارة. وهي كذلك بالفعل، هي حرب حضارية بين الشرق والغرب، حرب مبادئ وقيم وأخلاقيات ودين. إذا انتصرت "إسرائيل" في هذه الحرب فسيفقد الشرق صورته، ويفقد قيمته الوجودية بعد أن صدّر ولا يزال الديانات السماوية والقيم الأخلاقية إلى باقي أطراف العالم.
للمرة الأولى في تاريخها تتعرض "إسرائيل" لخطر وجودي، وتتداعى دول الاستعمار حول العالم للدفاع عن يدها الكبرى في الشرق الأوسط "إسرائيل".
لقد بدا واضحاً اليوم أن "إسرائيل" هي أداة الاستعمار في منطقتنا، أداته العسكرية والاستخبارية والسياسية والاقتصادية، "إسرائيل" هي موطئ القدم الوحيد للاستعمار في بلداننا، وهم يهددون اليوم تماماً كما فعل الرئيس الفرنسي في زيارته لـ"تل أبيب"، يهددون أطرافاً أخرى على رأسها حزب الله بعدم الانخراط في الصراع، هذا الخوف على "إسرائيل" ووجودها لم يسبق له مثيل، المساعدات الأميركية التي تدفقت إلى "تل أبيب" في حين لم يبدأ "الجيش" الإسرائيلي معركته، كل التهديدات التي يتعمد نتنياهو كيلها لحزب الله أمام أي رئيس غربي يزور "إسرائيل" لم تفلح بعد في إخراج الأمين العام لحزب الله عن صمته.
لكن المشهد الأخير يضع الشرق كله أمام حرب كبرى، حرب ليس المقصود فيها حماس وحدها بل خريطة "إسرائيل" التاريخية من النيل الى الفرات. أمام وجود حاملات الطائرات الأمريكية والبوارج البريطانية في البحر وأمام دعوة الرئيس الفرنسي اليوم لتشكيل تحالف دولي ضد حماس باعتبارها إرهابية. وأمام الدعم الدولي الكبير والغير مسبوق و قطع المياه والكهرباء والنفط عن عزة لتجويعها وتركيعها كل هذا البارود الذي جاؤوا به الى الشرق لتفجيره يعطي صورة واضحة عن الخوف الحقيقي من حزب الله وقوته التي لا يعلم أحد مداها، ويعطي أيضاً فكرة واضحة أن حزب الله وحده من يملك صاعق الحرب الكبرى التي إذا اشتعلت لا شك أن شعوبنا هي التي ستنتصر فيها.