الإنسانية تفك الحصار عن سوريا وتنتفض ضد قوانين "قيصر" الأميركية
تحوّل العالم في العقود الأخيرة إلى نموذج الأحادية القطبية الذي فرض تحديات كبيرة جعلت كثيراً من الدول الحرة صاحبة الاستقلالية والسيادة في الخيارات وفي الحفاظ على ثروات شعوبها بين مطرقة العقوبات وسندان المؤامرات
بالرغم مما خلفه الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا من خسائر بشرية ومادية، حمل معه بوادر فك الحصار الظالم الذي تعرضت له سوريا، وكأن هذه الكارثة الطبيعية وقعت لتذكّر العالم بأن العقوبات التي تفرضها الأحادية القطبية لا مجال لاستمرارها ولا مبرر لاحترامها، لترتفع بذلك الأصوات المنادية بفك الحصار عن سوريا، بشكل عاجل، وفق قاعدة الإنسانية التي هي أعلى وأسمى من القوانين الجائرة التي أعطت نتائج سلبية في غير مصلحة الشعب السوري.
فهل آن الأوان ليستدرك المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه سوريا؟ وهل فهمت هيئاته رسالات الإنسانية الحقيقية، التي تجلّت صورها التضامنية باستجابة عفوية، كانت قوية بمعانيها وقيمها الإنسانية من دول لها تاريخ في احترام حق الشعوب في الحرية والاستقلال بما يستجيب لتطلعاتها في التطور والرقي؟
وهذه الدول مشهود لها بالقرارات الشجاعة الكفيلة بأن تأخذ بزمام المبادرة دولياً لتكريس حق سوريا في العيش بسلام وأمان وتعاون مع باقي العالم، بعيداً من مؤامرات التدخل الخارجي بغطاء المعارضة المنخرطة في أجندة ترويض المجتمعات الحرة.
بداية التضامن مع سوريا عقب الزلزال جاءت من الجزائر التي فتحت جسراً جوياً للمساعدة في عمليات الإغاثة الإنسانية. هذه الأخيرة ستنتصر لا محالة بمفهومها الحقيقي الذي يستحق التقدير والاستدلال به لكسر الحصار، ولتلحق بها مبادرات على خطى الجزائر من دول تدرك وتعي المسؤولية التاريخية تجاه سوريا التي انتصرت في النهاية، حتى وإن اهتزت أرضها بزلزال حدّث العالم عن حق سوريا وشعبها، ورسم صورة عاجلة عما تستحقه من عالم يتغنى بالإنسانية التي غيّبتها قوانين العقاب الجماعي ولوائح الحظر الجوي والعقوبات الاقتصادية التي تقتل الإنسان وتقوّض حقوقه الأساسية.
فهل كان إعلان الإدارة الأميركية عدم منع قوانينها العقابية للمساعدات الإنسانية في سوريا مجرد مسايرة للتطورات التي تبعت الزلزال، وما طغى عليها من تضامن واسع مع سوريا؟
أم أن ضعف بقية العالم كان السبب وراء تغوّل السياسات العقابية التي تُفرض على الشعوب الضعيفة؛ لقهرها وثني قياداتها عن خيارات دول كانت مهداً للحضارة الإنسانية وقدمت مجتمعاتها نماذج حضارية؟
لكن، للأسف، تحوّل العالم في العقود الأخيرة إلى نموذج الأحادية القطبية الذي فرض تحديات كبيرة جعلت كثيراً من الدول الحرة صاحبة الاستقلالية والسيادة في الخيارات وفي الحفاظ على ثروات شعوبها بين مطرقة العقوبات وسندان المؤامرات التي تحاك من الخارج بمسمّى المعارضة، وما تحمله من مشاريع تخريبية وتقسيمية للشعوب.
لكن الدروس الصحيحة دائماً تفرضها الإنسانية بطبيعتها وقوانينها الأزلية ذات الحقوق العادلة التي لا تسنها قوى الهيمنة الأحادية، ومهما طال الزمن فلا بد للأباطيل أن تنتهي، وإن تخاذل الجميع أو تقاعست الغالبية، أو تراجع تأثير أصوات الحق في منابر الهيئات التي يزعم أنها أممية، و لابد أن تفرض نواميس الطبيعة قوانين التوازن الذي سيعيد ضبط الأمور في العالم بتعدد الأقطاب ما يحمي الجميع من الهيمنة المتسلطة على الشعوب، وليكون نضال الشعب السوري وكفاحه مدرسة في الثبات والصبر والتلاحم ضد المؤامرات، وتكون سوريا على قلب رجل واحد أكثر من أي وقت مضى، وأكثر تضامناً في المحن والكوارث التي شاءت الأقدار أن تكون سبباً في كسر الحصار، وليعاد النظر في قوانين كهذه أضرت بالشعوب وبحقوقها.